الطريق إلى الفردوس للقديس باسيليوس الكبير
الـفــردوس
جمال الفردوس:
" وغرس الرب الإله جنة في عدن شرقا، ووضع هناك آدم الذي جبله " ( تك 2: 8 ).
ليتنا نفكر الآن يا أصدقائي في طبيعة الفردوس، الذي يعتبر منحة من الله، هذا الفردوس الذي يعكس أسلوب وإرادة الخالق العظيم، فقد كتب: " وأنبت الرب الإله من الأرض كل شجرة شهية للنظر وجيدة " ( تك 2: 9 ).
لقد أراد الله أن يكون الإنسان هو وحده متفوقا على كل شكل من أشكال الحياة الأخرى، والمكان الذي هيأه الله للإنسان، والذي خلق فيه كل شيء آخر من أجله، أراد الله أن يجعله بارع الجمال، أرضاً مرتفعة لا يمكن أن يُحجب نورها، فكان ذا جمال رائع في آمان تام، وكان بهاؤه يتألق ببريق يفوق كل شيء وينتشر شعاع ضوئه مثل نجم ساطع، فالمكان الذي غرس الله الفردوس فيه لا توجد فيه رياح عنيفة أو طقس موسمي، كما حافظ فيه على اتزان الحرارة، فلا تكون هناك زوابع ملتهبة أو ريح ثلجية أو عواصف رعدية عنيفة، فلا صيف حار، ولا خريف جاف، بل تناسب تام بين كل الفصول، يتعاقب كل فصل وراء الآخر بهدوء، وكل فصل له عطاياه المفرحة، وكانت الأرض مخصبة غنية تفيض لبنا وعسلاً، وتنتج أثماراً يانعة مختلفة، ومحاطة بمياه عذبة شفافة جميلة، تعطى سروراً للعيون، وتمنح الحياة بالحقيقة " كان نهر يخرج من عدن ليسقى الجنة " ( تك 2: 10 ).
قصد الله من خلقة الإنسان:
" وجبل الرب الإله آدم ترابا من الأرض، ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار آدم نفساً حية، وغرس الرب الإله جنة في عدن شرقاً، ووضع هناك آدم الذي جبله " ( تك 2: 7، 8 ).
لقد خلق الله آدم، ثم في نفس اللحظة خلق الفردوس، وأدخل آدم إليه، حتى لا يخلق البشرية في عوز وفقر، لقد خلق الكمال منذ البداية، ثم أدخل الإنسان فيه، حتى يعرف الإنسان الفرق بين الحياة في الخارج والحياة التي تحدث في داخل الفردوس، فيدرك تفوق جمال الفردوس، وعاقبة السقوط والطرد منه.
" وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن، ليعملها ويحفظوها " ( تك 2: 15 )، لابد أن نفكر في كلمات هذه الآية، وتقارنها بكلمات الرب يسوع المسيح له المجد لتلاميذه القديسين: " أنا الكرمة وأنتم الأغصان " ( يو 15: 5 ) وتعنى هذه الآية أنهم زُرعوا بيد الله، فينبغي أن نبدأ في النمو في بيت الرب ونمتلئ بالثمار في بيت إلهنا " مغروسين في بيت الرب، في ديار إلهنا يزهرون "
(مز92: 13)، قال أيضا داود النبي " طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار..... فيكون كشجرة مغروسة عند مجارى المياه، التي تعطى ثمرها في أوانه، وورقها لا يذبل " ( مز 1:1-3).
لقد كوّن الله المكان الذي يلائم استقبال البشرية، وغرس فيه كل نوع من الأشجار الجميلة، لتفرح قلب الإنسان.
كيف أضع أمام عينيك جمال مسكنك الذي طردت منه، فتشعر ليس بالحزن فقط، بل بالحنين إلى كل شيء فقدته، فتتذكر الجمال والسعادة التي كانت هناك، التي لم تختلط بالألم والتعب.
أما الآن في أرض الشقاء التي طُردنا إليها، فإن الزهور تخفى داخلها أشوكاً، فتشعر بالسعادة مع الألم، وذلك يرينا أن السعادة في هذا العالم دائماً ممزوجة بالألم، فلا توجد سعادة كاملة على الأرض، لأنها سرعان ما تشتبك مع الأحزان، الزواج مع الترمل، جلب الأطفال مع المتاعب، الولادة مع الموت، الشرف العظيم مع العار العظيم، الصحة مع المرض.
عندما أنظر إلى الظهور أحزن، لأن كل وقت أرى فيه زهرة أتذكر خطيتنا التي سببت فساد الأرض حتى أنبتت شوكاً وحسكاً بل إن الزهرة ينتهي جمالها في وقت قصير جداً، فتتركنا ونحن مازلنا نشتاق إليها، ومن اللحظة التي نقطفها فيها تبدأ تموت بين أيدينا.
ولكن في الفردوس كانت الزهور يانعة طوال السنة، ورائحتها الزكية لا تتلاشى، وجمالها البراق لا يزول، فهي تبقى جميلة إلى الأبد.
فجمال الزروع كلها يعكس عمل وإبداع الخالق العظيم، فالأغصان الكبيرة والصغيرة تحمل الثمار، سواء ذات الفرع الواحد أو ذوات الأفرع الكثيرة، وأوراقها خضراء جميلة، وتظل خضراء يانعة طوال السنة، حتى التي لا تحمل أثماراً فهي تعطى بهجة وسروراً، ولو قارناها بأي شيء في هذا العالم فمقارنتنا لن تكون كافية لتوصلنا إلى الصورة الحقيقية، فكل شيء هناك هو كامل ومتكامل،
" ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسنا جداً " ( تك 1: 31 ).
ففي الفردوس كانت هناك جميع الطيور الجميلة، بريشها البديع بكل أشكاله وألوانه، وتغريدها العذب، فتنعش كل الحواس، ومع الطيور كانت كل أنواع الحيوانات تعيش في سلام وانسجام مع بعضها البعض، فلم يكن الثعبان موضع رعب، ولكنه كان أليفا لا يؤذى، ولم يكن يزحف على الأرض على بطنه، بل كان قائماً يتحرك على أرجله، وجميع الحيوانات التي نعتبرها الآن متوحشة وعدوة للإنسان كانت في هذا الوقت أليفة ورقيقة.
في هذه البيئة وضع الله الإنسان الذي خلقه، " وأخذ الرب الإله آدم، ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها " ( تك 2: 15 ). فقد خلق الله آدم في مكان ثم أدخل إلى الفردوس، وبنفس الطريقة خلق أولاً النور ثم ثبته في السماء، خلق الإنسان من الطين، ثم وضعه في الفردوس.
في الحقيقة قد أبهجتك بوصفي سعادة الفردوس، ولكن شرحت لك في نفس الوقت الحياة الممزوجة بالألم هنا في هذه الأرض، وبالتأكيد سوف يدرك عقلك مقدار المقارنة، ويشتاق إلى مسكنه الحقيقي ويحاول أن يحصل على هذه السعادة التي وعدنا بها الوحي قائلاً: " ما لم تره عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه " ( 1كو 2: 9 ). ولكن من يستطيع أن يعرف ما لم تره عينه أولاً، وما لم تسمعه أذنه أولاً؟، لأن كل شيء ندركه بالحواس لابد أن يُطبع في الذاكرة، ولكننا عندما نشرح ونصف الفردوس بالطريقة الجسدية التي أشرنا إليها سابقاً، فأننا نستطيع أن نحس روحياً بواسطة الرموز مقدار جمال هذا المكان، لأنه كُتِبَ " وغرس الرب الإله جنة في عدن شرقا " ( تك 2: 8 ). فنجد أنه لم يخبرنا بكل شيء عن هذا المكان، ولكننا نستطيع أن نقول أن "عدن" هي السعادة أو "المتعة"، من أجل هذا لعلك تستطيع أن تعطى صورة للفردوس في عقلك حيث النور الإلهي، والسعادة الروحية، فإنك لو تخيلت مكاناً على الأرض يعيش فيه القديسون، متألقين بنور فضائلهم، ويتمتعون بنعمة الله، ويعيشون في حياة هادئة بالحق والعدل والسعادة، فهذا المكان لن يكون بعيداً عن الصورة المنطقية للفردوس.
السعادة الحقيقية:
ولكن ما هي هذه السعادة التي نقصدها؟ أهي الأطعمة التي تدخل الفم وتصل إلى المعدة وتخرج وتنتهي؟ أهذه العطية وهبت لجنس البشر بإحسانات الله، لكى تكون هناك معدة ممتلئة وجسم ممتلئ صحة، وشهوات وقتية؟ أهذا هو ما لا نستطيع أن نعبر عنه بالكلمات؟ هل السعادة الحقيقية هي أن نتكبر بقسوة ونطلب أن نسّمن أجسادنا، ونغرق نفوسنا في ارتكاب الخطايا والشهوات؟ لابد أن نعرف أن هذه كلها، هي بعيدة تماما عن السعادة، وبعيدة عن المعنى الذي من أجلها خلقها الله.
إذن ما هو نوع هذه السعادة التي تتفق مع الفضيلة والقداسة، ومع قصد الخالق العظيم ؟ .
في الفردوس تجد هناك الجموع الكثيرة من الملائكة الأطهار القديسين، وهناك الأساس المتين لكل الفضائل الروحية، هناك التسبيح الدائم وثماره النقاوة والطهارة، وهناك نهر ماء الحياة، نهر الله، الذي من عرشه تنبع المياه التي تبهج مدينة الله، التي صنعت وشيدت بالله " نهرا صافياً من ماء حياة، لامعا كبلور، خارجاً من عرش الله والخروف " ( رؤ 22: 1 ).
هذا النهر هو الذي ينبع من عدن ( السعادة الحقيقية ) ويروى الفردوس " وكان نهر يخرج من عدن ليسقى الجنة " ( تك 2: 10 )، هذا هو نهر التمتع الدائم برؤيا الله، والشبع الكامل بالتأمل في مجد المسيح وجماله، وفى سلامنا الدائم من أجل تواجدنا في حضرته.
هذه كلها أرشدت القديسين، ولابد لكل المؤمنين أن يقوموا بتداريب روحية صارمة، حتى يصلوا إلى حياة الكمال، هذه التي أرادها الله لكل سكان الفردوس.
حين عندما تفكر في هذا، ستشكر الله صانعها الذي خلق كل هذا لأجل سرورك، وبذل كل جهد حتى يجعلك مستحقا لها. وعندما تتجه إليه،ئذ سيستنير عقلك وستفهم أساس خلقتنا، ومصير آخرتنا، له المجد إلى الأبد أمين.
الـفــردوس
جمال الفردوس:
" وغرس الرب الإله جنة في عدن شرقا، ووضع هناك آدم الذي جبله " ( تك 2: 8 ).
ليتنا نفكر الآن يا أصدقائي في طبيعة الفردوس، الذي يعتبر منحة من الله، هذا الفردوس الذي يعكس أسلوب وإرادة الخالق العظيم، فقد كتب: " وأنبت الرب الإله من الأرض كل شجرة شهية للنظر وجيدة " ( تك 2: 9 ).
لقد أراد الله أن يكون الإنسان هو وحده متفوقا على كل شكل من أشكال الحياة الأخرى، والمكان الذي هيأه الله للإنسان، والذي خلق فيه كل شيء آخر من أجله، أراد الله أن يجعله بارع الجمال، أرضاً مرتفعة لا يمكن أن يُحجب نورها، فكان ذا جمال رائع في آمان تام، وكان بهاؤه يتألق ببريق يفوق كل شيء وينتشر شعاع ضوئه مثل نجم ساطع، فالمكان الذي غرس الله الفردوس فيه لا توجد فيه رياح عنيفة أو طقس موسمي، كما حافظ فيه على اتزان الحرارة، فلا تكون هناك زوابع ملتهبة أو ريح ثلجية أو عواصف رعدية عنيفة، فلا صيف حار، ولا خريف جاف، بل تناسب تام بين كل الفصول، يتعاقب كل فصل وراء الآخر بهدوء، وكل فصل له عطاياه المفرحة، وكانت الأرض مخصبة غنية تفيض لبنا وعسلاً، وتنتج أثماراً يانعة مختلفة، ومحاطة بمياه عذبة شفافة جميلة، تعطى سروراً للعيون، وتمنح الحياة بالحقيقة " كان نهر يخرج من عدن ليسقى الجنة " ( تك 2: 10 ).
قصد الله من خلقة الإنسان:
" وجبل الرب الإله آدم ترابا من الأرض، ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار آدم نفساً حية، وغرس الرب الإله جنة في عدن شرقاً، ووضع هناك آدم الذي جبله " ( تك 2: 7، 8 ).
لقد خلق الله آدم، ثم في نفس اللحظة خلق الفردوس، وأدخل آدم إليه، حتى لا يخلق البشرية في عوز وفقر، لقد خلق الكمال منذ البداية، ثم أدخل الإنسان فيه، حتى يعرف الإنسان الفرق بين الحياة في الخارج والحياة التي تحدث في داخل الفردوس، فيدرك تفوق جمال الفردوس، وعاقبة السقوط والطرد منه.
" وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن، ليعملها ويحفظوها " ( تك 2: 15 )، لابد أن نفكر في كلمات هذه الآية، وتقارنها بكلمات الرب يسوع المسيح له المجد لتلاميذه القديسين: " أنا الكرمة وأنتم الأغصان " ( يو 15: 5 ) وتعنى هذه الآية أنهم زُرعوا بيد الله، فينبغي أن نبدأ في النمو في بيت الرب ونمتلئ بالثمار في بيت إلهنا " مغروسين في بيت الرب، في ديار إلهنا يزهرون "
(مز92: 13)، قال أيضا داود النبي " طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار..... فيكون كشجرة مغروسة عند مجارى المياه، التي تعطى ثمرها في أوانه، وورقها لا يذبل " ( مز 1:1-3).
لقد كوّن الله المكان الذي يلائم استقبال البشرية، وغرس فيه كل نوع من الأشجار الجميلة، لتفرح قلب الإنسان.
كيف أضع أمام عينيك جمال مسكنك الذي طردت منه، فتشعر ليس بالحزن فقط، بل بالحنين إلى كل شيء فقدته، فتتذكر الجمال والسعادة التي كانت هناك، التي لم تختلط بالألم والتعب.
أما الآن في أرض الشقاء التي طُردنا إليها، فإن الزهور تخفى داخلها أشوكاً، فتشعر بالسعادة مع الألم، وذلك يرينا أن السعادة في هذا العالم دائماً ممزوجة بالألم، فلا توجد سعادة كاملة على الأرض، لأنها سرعان ما تشتبك مع الأحزان، الزواج مع الترمل، جلب الأطفال مع المتاعب، الولادة مع الموت، الشرف العظيم مع العار العظيم، الصحة مع المرض.
عندما أنظر إلى الظهور أحزن، لأن كل وقت أرى فيه زهرة أتذكر خطيتنا التي سببت فساد الأرض حتى أنبتت شوكاً وحسكاً بل إن الزهرة ينتهي جمالها في وقت قصير جداً، فتتركنا ونحن مازلنا نشتاق إليها، ومن اللحظة التي نقطفها فيها تبدأ تموت بين أيدينا.
ولكن في الفردوس كانت الزهور يانعة طوال السنة، ورائحتها الزكية لا تتلاشى، وجمالها البراق لا يزول، فهي تبقى جميلة إلى الأبد.
فجمال الزروع كلها يعكس عمل وإبداع الخالق العظيم، فالأغصان الكبيرة والصغيرة تحمل الثمار، سواء ذات الفرع الواحد أو ذوات الأفرع الكثيرة، وأوراقها خضراء جميلة، وتظل خضراء يانعة طوال السنة، حتى التي لا تحمل أثماراً فهي تعطى بهجة وسروراً، ولو قارناها بأي شيء في هذا العالم فمقارنتنا لن تكون كافية لتوصلنا إلى الصورة الحقيقية، فكل شيء هناك هو كامل ومتكامل،
" ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسنا جداً " ( تك 1: 31 ).
ففي الفردوس كانت هناك جميع الطيور الجميلة، بريشها البديع بكل أشكاله وألوانه، وتغريدها العذب، فتنعش كل الحواس، ومع الطيور كانت كل أنواع الحيوانات تعيش في سلام وانسجام مع بعضها البعض، فلم يكن الثعبان موضع رعب، ولكنه كان أليفا لا يؤذى، ولم يكن يزحف على الأرض على بطنه، بل كان قائماً يتحرك على أرجله، وجميع الحيوانات التي نعتبرها الآن متوحشة وعدوة للإنسان كانت في هذا الوقت أليفة ورقيقة.
في هذه البيئة وضع الله الإنسان الذي خلقه، " وأخذ الرب الإله آدم، ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها " ( تك 2: 15 ). فقد خلق الله آدم في مكان ثم أدخل إلى الفردوس، وبنفس الطريقة خلق أولاً النور ثم ثبته في السماء، خلق الإنسان من الطين، ثم وضعه في الفردوس.
في الحقيقة قد أبهجتك بوصفي سعادة الفردوس، ولكن شرحت لك في نفس الوقت الحياة الممزوجة بالألم هنا في هذه الأرض، وبالتأكيد سوف يدرك عقلك مقدار المقارنة، ويشتاق إلى مسكنه الحقيقي ويحاول أن يحصل على هذه السعادة التي وعدنا بها الوحي قائلاً: " ما لم تره عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه " ( 1كو 2: 9 ). ولكن من يستطيع أن يعرف ما لم تره عينه أولاً، وما لم تسمعه أذنه أولاً؟، لأن كل شيء ندركه بالحواس لابد أن يُطبع في الذاكرة، ولكننا عندما نشرح ونصف الفردوس بالطريقة الجسدية التي أشرنا إليها سابقاً، فأننا نستطيع أن نحس روحياً بواسطة الرموز مقدار جمال هذا المكان، لأنه كُتِبَ " وغرس الرب الإله جنة في عدن شرقا " ( تك 2: 8 ). فنجد أنه لم يخبرنا بكل شيء عن هذا المكان، ولكننا نستطيع أن نقول أن "عدن" هي السعادة أو "المتعة"، من أجل هذا لعلك تستطيع أن تعطى صورة للفردوس في عقلك حيث النور الإلهي، والسعادة الروحية، فإنك لو تخيلت مكاناً على الأرض يعيش فيه القديسون، متألقين بنور فضائلهم، ويتمتعون بنعمة الله، ويعيشون في حياة هادئة بالحق والعدل والسعادة، فهذا المكان لن يكون بعيداً عن الصورة المنطقية للفردوس.
السعادة الحقيقية:
ولكن ما هي هذه السعادة التي نقصدها؟ أهي الأطعمة التي تدخل الفم وتصل إلى المعدة وتخرج وتنتهي؟ أهذه العطية وهبت لجنس البشر بإحسانات الله، لكى تكون هناك معدة ممتلئة وجسم ممتلئ صحة، وشهوات وقتية؟ أهذا هو ما لا نستطيع أن نعبر عنه بالكلمات؟ هل السعادة الحقيقية هي أن نتكبر بقسوة ونطلب أن نسّمن أجسادنا، ونغرق نفوسنا في ارتكاب الخطايا والشهوات؟ لابد أن نعرف أن هذه كلها، هي بعيدة تماما عن السعادة، وبعيدة عن المعنى الذي من أجلها خلقها الله.
إذن ما هو نوع هذه السعادة التي تتفق مع الفضيلة والقداسة، ومع قصد الخالق العظيم ؟ .
في الفردوس تجد هناك الجموع الكثيرة من الملائكة الأطهار القديسين، وهناك الأساس المتين لكل الفضائل الروحية، هناك التسبيح الدائم وثماره النقاوة والطهارة، وهناك نهر ماء الحياة، نهر الله، الذي من عرشه تنبع المياه التي تبهج مدينة الله، التي صنعت وشيدت بالله " نهرا صافياً من ماء حياة، لامعا كبلور، خارجاً من عرش الله والخروف " ( رؤ 22: 1 ).
هذا النهر هو الذي ينبع من عدن ( السعادة الحقيقية ) ويروى الفردوس " وكان نهر يخرج من عدن ليسقى الجنة " ( تك 2: 10 )، هذا هو نهر التمتع الدائم برؤيا الله، والشبع الكامل بالتأمل في مجد المسيح وجماله، وفى سلامنا الدائم من أجل تواجدنا في حضرته.
هذه كلها أرشدت القديسين، ولابد لكل المؤمنين أن يقوموا بتداريب روحية صارمة، حتى يصلوا إلى حياة الكمال، هذه التي أرادها الله لكل سكان الفردوس.
حين عندما تفكر في هذا، ستشكر الله صانعها الذي خلق كل هذا لأجل سرورك، وبذل كل جهد حتى يجعلك مستحقا لها. وعندما تتجه إليه،ئذ سيستنير عقلك وستفهم أساس خلقتنا، ومصير آخرتنا، له المجد إلى الأبد أمين.