12- السعي للملكوت الأبدي "محبة الله الشديدة للإنسان
عظات
القديس مقاريوس الكبير
العظة الرابعة
السعي للملكوت الأبدي "محبة الله الشديدة للإنسان"
" ينبغي على المسيحيين أن يتمموا سعيهم في هذا العالم بحرص وحذر، لكي يربحوا المديح السماوي من الله والملائكة "
1ـ نحن الذين نرغب أن نحيا الحياة المسيحية بكل إخلاص وأصالة، ينبغي قبل كل شيء آخر أن نجتهد بكل قوتنا في تربية الملكة المميّزة والمفرزة في النفس (ملكة التمييز والإفراز)، حتى إذا حصلنا على إحساس دقيق وإدراك للفرق بين الخير والشر وصرنا دائمًا مميّزين الأشياء الغريبة التي اختلطت بالطبيعة النقية بشكل غير طبيعي، فإنه يمكننا أن نسلك باستقامة، وبلا عثرة وباستعمال قوة التميّيز هذه كأنها عين، يمكننا أن نحفظ أنفسنا أحرارًا من أي ارتباط أو اتحاد، مع إيحاءات الخطية، وهكذا يمكن أن تُمنح لنا الموهبة السماوية التي نصير بها أهلاً للرب.
ولنأخذ مثلاً لإيضاح ذلك من العالم المنظور، فإنه يوجد تشابه بين الجسم والنفس، بين أمور الجسد وأمور النفس، وبين الأشياء المنظورة والأشياء المستترة.
تشبيه عين الجسد والسير في الغابات :
2 ـ فالجسد له عين لترشده وتقوده. والعين بواسطة الإبصار، تقود الجسد كله باستقامة.
فتخيّل إنسانًا يسير في مناطق غابات، مملوءة بالأشواك والأوحال، وحيث تكون هناك نار مشتعلة، وفي الأرض تكون الحشائش اليابسة سيوف منتصبة، وهناك أيضًا مهاوي ومياه كثيرة، فإن كان مسافرًا مُجدًا، حريصًا وذكيًا، فإن عينيه تقوده ليعبر تلك الأماكن الصعبة بانتباه شديد، ويرفع ملابسه من كل ناحية بيديه لئلا تتمزق من الأدغال والأشواك، أو تتلوث بالوحل أو تُقطع بأحد تلك السيوف. فعينه تقود الجسم كله. فعينه هي بمثابة نور له، تخلصه من الوقوع في المهاوي والمنحدرات، أو من الغرق في المياه وتحفظه من أي ضرر آخر. فالإنسان النشط والحذر بهذا القدر، يسير بكل حرص، إذ يلف عباءته على جسمه لتلتصق به، وكل هذا تحت قيادة عينه، فيحفظ نفسه من الأذى ويحفظ عباءته التي يلبسها من الاحتراق والتمزق.
ولكن إذا كان المسافر في مثل هذه الأمكان كسولاً متوانيًا ومتفائلاً وثقيلاً غير مبالٍ، فإن ثوبه يتهدل حوله من هنا ومن هناك، فيتمزق بواسطة الأدغال والأشواك أو يحترق بالنار لأنه لم يلفه بإحكام حول جسمه ليحفظه، أو ربما يتقطع الثوب إلى قطع بواسطة تلك السيوف المنصوبة في الطريق، أو يتلوث بالوحل ـ وبطريقة أو بأخرى فإنه سرعان ما يتلف ثوبه الجميل الجديد، وذلك لقلة حرصه وإهماله وتكاسله، وإذا لم ينتبه الانتباه الجيد المناسب لما تخبره به عينه، فإنه هو نفسه يسقط في حفرة أو ربما يغرق في المياه.
3 ـ وبنفس الطريقة، فإن النفس التي تلبس رداء الجسد الحسن ككساء لها، تملك ملكة وقوة التمييز لتوجيه وقيادة الحياة كلها مع الجسد، بينما هي تعبر وسط أدغال وأشواك الحياة، والوحل والنار والمهاوي التي هي الشهوات واللذات وغيرها من أشياء هذا العالم الخاطئة، ينبغي لها أن تتحزم وتصون نفسها ولباسها الذي هو الجسد بحرص وتحفّظ من كل ناحية، وبحزم وغيرة وعناية، وتحفظ نفسها من أن تتمزق بأدغال وأشواك العالم ـ أي الهموم والانشغالات والمعوقات الأرضية ومن أن تحترق بنار الشهوة. وإذ هي لابسة هكذا، فإنها تحول نظرها عن رؤية المناظر الشريرة وتحول إذنها عن الإنصات للمذمة، ولسانها عن التكلم بالكلام الباطل، ويديها وقدميها عن المسالك الشريرة. فالنفس لها إرادة، يمكن أن تحول بها وتحجز أعضاء الجسم عن المناظر القبيحة، وعن الأصوات الشريرة المخزية وعن الكلام البذيء وعن المساعي العالمية الشريرة
عظات
القديس مقاريوس الكبير
العظة الرابعة
السعي للملكوت الأبدي "محبة الله الشديدة للإنسان"
" ينبغي على المسيحيين أن يتمموا سعيهم في هذا العالم بحرص وحذر، لكي يربحوا المديح السماوي من الله والملائكة "
1ـ نحن الذين نرغب أن نحيا الحياة المسيحية بكل إخلاص وأصالة، ينبغي قبل كل شيء آخر أن نجتهد بكل قوتنا في تربية الملكة المميّزة والمفرزة في النفس (ملكة التمييز والإفراز)، حتى إذا حصلنا على إحساس دقيق وإدراك للفرق بين الخير والشر وصرنا دائمًا مميّزين الأشياء الغريبة التي اختلطت بالطبيعة النقية بشكل غير طبيعي، فإنه يمكننا أن نسلك باستقامة، وبلا عثرة وباستعمال قوة التميّيز هذه كأنها عين، يمكننا أن نحفظ أنفسنا أحرارًا من أي ارتباط أو اتحاد، مع إيحاءات الخطية، وهكذا يمكن أن تُمنح لنا الموهبة السماوية التي نصير بها أهلاً للرب.
ولنأخذ مثلاً لإيضاح ذلك من العالم المنظور، فإنه يوجد تشابه بين الجسم والنفس، بين أمور الجسد وأمور النفس، وبين الأشياء المنظورة والأشياء المستترة.
تشبيه عين الجسد والسير في الغابات :
2 ـ فالجسد له عين لترشده وتقوده. والعين بواسطة الإبصار، تقود الجسد كله باستقامة.
فتخيّل إنسانًا يسير في مناطق غابات، مملوءة بالأشواك والأوحال، وحيث تكون هناك نار مشتعلة، وفي الأرض تكون الحشائش اليابسة سيوف منتصبة، وهناك أيضًا مهاوي ومياه كثيرة، فإن كان مسافرًا مُجدًا، حريصًا وذكيًا، فإن عينيه تقوده ليعبر تلك الأماكن الصعبة بانتباه شديد، ويرفع ملابسه من كل ناحية بيديه لئلا تتمزق من الأدغال والأشواك، أو تتلوث بالوحل أو تُقطع بأحد تلك السيوف. فعينه تقود الجسم كله. فعينه هي بمثابة نور له، تخلصه من الوقوع في المهاوي والمنحدرات، أو من الغرق في المياه وتحفظه من أي ضرر آخر. فالإنسان النشط والحذر بهذا القدر، يسير بكل حرص، إذ يلف عباءته على جسمه لتلتصق به، وكل هذا تحت قيادة عينه، فيحفظ نفسه من الأذى ويحفظ عباءته التي يلبسها من الاحتراق والتمزق.
ولكن إذا كان المسافر في مثل هذه الأمكان كسولاً متوانيًا ومتفائلاً وثقيلاً غير مبالٍ، فإن ثوبه يتهدل حوله من هنا ومن هناك، فيتمزق بواسطة الأدغال والأشواك أو يحترق بالنار لأنه لم يلفه بإحكام حول جسمه ليحفظه، أو ربما يتقطع الثوب إلى قطع بواسطة تلك السيوف المنصوبة في الطريق، أو يتلوث بالوحل ـ وبطريقة أو بأخرى فإنه سرعان ما يتلف ثوبه الجميل الجديد، وذلك لقلة حرصه وإهماله وتكاسله، وإذا لم ينتبه الانتباه الجيد المناسب لما تخبره به عينه، فإنه هو نفسه يسقط في حفرة أو ربما يغرق في المياه.
3 ـ وبنفس الطريقة، فإن النفس التي تلبس رداء الجسد الحسن ككساء لها، تملك ملكة وقوة التمييز لتوجيه وقيادة الحياة كلها مع الجسد، بينما هي تعبر وسط أدغال وأشواك الحياة، والوحل والنار والمهاوي التي هي الشهوات واللذات وغيرها من أشياء هذا العالم الخاطئة، ينبغي لها أن تتحزم وتصون نفسها ولباسها الذي هو الجسد بحرص وتحفّظ من كل ناحية، وبحزم وغيرة وعناية، وتحفظ نفسها من أن تتمزق بأدغال وأشواك العالم ـ أي الهموم والانشغالات والمعوقات الأرضية ومن أن تحترق بنار الشهوة. وإذ هي لابسة هكذا، فإنها تحول نظرها عن رؤية المناظر الشريرة وتحول إذنها عن الإنصات للمذمة، ولسانها عن التكلم بالكلام الباطل، ويديها وقدميها عن المسالك الشريرة. فالنفس لها إرادة، يمكن أن تحول بها وتحجز أعضاء الجسم عن المناظر القبيحة، وعن الأصوات الشريرة المخزية وعن الكلام البذيء وعن المساعي العالمية الشريرة